ل سَبَق وأن حلمت حلمًا، يا نيو، وكنت متأكدًا تمامًا من أنَّه حقيقة؟ ماذا لو سُلِبتَ القُدرة على أن تُفيق من الحُلم؟ كيف ستتمكَّن من معرفة الفرق بين عالم الأحلام والعالم الحقيقي؟ -«مورفيوس» مُخاطبًا «نيو» من فيلم «المصفوفة» (The Matrix).
أنتَ جئت إلى هنا عن طريق «فيس بوك». رُبَّما تشعر بالفزع قليلًا ممَّا سيخبرك به التقرير. أين ستذهب حينها؟ ستسرع إلى «فيس بوك» نفسه لتُخبِر «أصدقاءك» بما قرأت: «انظروا! إنَّ «فيس بوك» يحاول السيطرة على العالم!».
ليس هذا حديثًا عن تأثيرات «فيس بوك» في التواصل بين البشر والعمل، أو حتى الحالة النفسية (مثلما تلاعب بمشاعر 700 ألف مستخدم في تجربةٍ نفسيةٍ دون علمهم)؛ كلُّها أمورٌ مهمةٌ، بالتأكيد، لكنها تُغفِل هدفًا يبدو أنَّ «مارك زوكربيرج» – الذي يُوصف بأنَّه «مهووس بالمنافسة وبأن يبني أحدٌ غيره شيئًا أنجح منه» – لن يهدأ حتَّى يُحققه: لا يسعى «فيس بوك» لأن «يشتري» الإنترنت أو يُصبح موقع التواصل الأكثر زيارةً بين مستخدميه (هو كذلك بالفعل)؛ «فيس بوك» يريد أن يكون هو «الإنترنت»، بطريقةٍ أو بأخرى.
فيس بوك: كوكاكولا التواصل الاجتماعي
هل تعرف ما هي قوة «كوكاكولا» بالتحديد؟ هل هي المليار و900 مليون مشروب التي تُستهلك من منتجاتها يوميًا في 200 دولة (أكثر من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة)؟ رُبَّما لا؛ فقوة الشركات الحقيقية تكمُن في انتشارها، وبتعبيرٍ أدق، في قدرتك على الهروب منها.
هذا هو ما تفعله «كوكاكولا» بـ500 علامة تُجارية قد تستخدم الكثير منها دون أن تدري أنَّها مملوكة لـ«كوكاكولا».
وللسبب نفسه، لم تعُد قوة «فيس بوك» تكمُن، فحسب، في عدد مستخدميه النشطين، الذي يصل إلى مليار و600 مليون مستخدمٍ تقريبًا، بل في قدرتهم على الهروب منه، أو بالأحرى عجزهم عن الهروب من المنصات التي طوَّرها أو استحوذ عليها، مثل «إنستجرام» و«واتساب».
خيوط القصَّة تجتمع في تحقيقٍ أجراه موقع FastCompany بمصادر خاصة من داخل «فيس بوك» وخارجه. وفقًا لـ«جوش ويليامز»، مؤسس شركة Gowalla الناشئة (التي استحوذ عليها «فيس بوك» ثمَّ أغلقها) وأحد المبرمجين السابقين في «فيس بوك»، تأخَّر «زوكربيرج» وزملاؤه كثيرًا في إدراك مكمن قوة «فيس بوك» وكيف يريد الناس أن يستخدموه في المستقبل، رغم توافر معلوماتٍ لديهم منذ أكثر من ثلاثة أعوام: تطبيقٌ واحدٌ أزرقُ كبيرٌ لم يعُد يكفي؛ يجب على «فيس بوك» أن يفصل خدماته عن بعضها قدر الإمكان.
دَعك من الشعارات الشهيرة التي تحتل واجهة تطبيقات التواصل والمحادثات: «فيس بوك»، و«واتساب»، و«إنستجرام»؛ فرهان «زوكربيرج» الحقيقي لبناء شيءٍ أسطوريٍ يجري في الخلفية: المحتوى، وتوصيل الإنترنت لكافة سُكَّان الأرض، وخدمات الموبايل وتحويلها إلى مصدر هائل للأموال، والواقع الافتراضي.. أو أن يتجنَّب «فيس بوك» مصير «تويتر» الذي يُصارع من أجل أن يبقى في مكانه، أن يبقى فقط.
يؤمن «زوكربيرج» بما يُعرَف بـ«طريقة الهاكر» في العمل، الذي تجلَّى في شعار «فيس بوك» الأوَّل: «تحرَّك بسُرعة وحطِّم الأشياء»؛ ويبدو أنَّ «تحطيم الأشياء» يسيرُ في خطَّة مُحددة لتحقيق خمسة أهداف ستُغير وجه الإنترنت.
1. «فيس بوك» هو المصدر لا الناقل
مع كل تعقيدات الخوارزمية التي لم يكُن يتخيَّلها أحدٌ – حتى «مارك زوكربيرج» نفسه – حين أعلن موقعه «The Facebook» للمرة الأولى قبل 12 عامًا، كان نموذج عمل «فيس بوك» وعلاقته بالناشرين (المؤسسات الصحفية، والمواقع الإلكترونية، وقنوات التلفاز، و«صانعي المحتوى» بوجهٍ عام) يعتمد على أنَّ «فيس بوك» هو منصةُ تواصلٍ، يستخدمها الأفراد والشركات للوصول بـ«المحتوى» إلى الجمهور، سواءٌ أكان «الجمهور» هنا هم «الأصدقاء» أم «القُرَّاء» أم «المشاهدين».
لم يكُن «فيس بوك» قط مُنتِج المُحتوى أو مصدره؛ وهو الأمر الذي أحدث جدلًا منذ أشهرٍ حين أُثير سؤال: لماذا لا يدفع «فيس بوك» جزءًا من أرباحه لمستخدميه – الأفراد والشركات – (مثل «يوتيوب») نظير ما يصنعونه من محتوىً يستفيد منه «فيس بوك» في الإعلانات والأرباح؟ السؤال، على المستوى النظري، مشروعٌ بالتأكيد، لكن المستخدمين كان لهم رأيٌ آخر عبَّروا عنه ببساطة: سنستمر في مشاركة المحتوى على «فيس بوك» مجانًا، وبشراهة، بل سندفع لـ«فيس بوك» ليصل المحتوى إلى مستخدمين أكثر.
الآن طوَّر «فيس بوك» (بعد تجربةٍ مع ناشرين كبار مثل «نيويورك تايمز» وBuzzFeed، و«ناشونال جيوغرافيك») خاصية «المقالات الفورية» (Instant Articles) وسيُتيحها للناشرين كافةً في مؤتمره F8 Conference في إبريل (نيسان) المقبل.
ماذا يعني هذا بالضبط؟ باختصار، لن يضطر المستخدمون إلى ترك عالم «فيس بوك» حين يضغطون على رابطٍ لمقالٍ أو خبرٍ أعجبهم، وإنَّما سيُعرَض المقال أو الخبر داخل «فيس بوك» مباشرةً بسرعة تحميل تبلغ 10 أضعاف سرعة تحميل المواقع لاعتمادها على الذاكرة المؤقتة (cache).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق