في الوقت الذي كان الخمر قد شُرب، والحشيش قد تم تدخينه، وأنهت الخمس راقصات فقراتهنّ، كان العريس قد جَمَع 16 ألف دولار! “فرح مُربح” هكذا علَّق العريس على فرحه.
العروس لم تكن موجودة، يقول العريس: بعض الأشخاص يقومون بعمل الأفراح للاحتفال، آخرون يقيمونها كنوع من التجارة. العريس هو محمد، بائع الأثاث المستعمل. بالنسبة له حفل الزفاف كان واحدًا من سلسة من أحداث لجمع التمويل الموضوعة على عاتق مجموعته في المجتمع، مجموعة من الأصدقاء والأقارب. في يوم يمرر هو الأموال لزميل له، اليوم الآخر هو من يتلقى هذه الأموال.
يُعّد هذا جزءًا كبيرًا من اقتصاد مصر غير الرسمي، جزء يُقدّر بـ40% أو أكثر من الناتج الإجمالي المحلي. مع وجود 25% من تعداد المصريين (87 مليون) يعيشون في فقر مدقع، “أفراح الشوارع” مثل فرح محمد، بالتوازي مع مخططات مماثلة، يعطي للمصريين الذين قلما يمكنهم الحصول على قرض من البنك فرصة لامتلاك الأموال.
جمع الأموال من خلال الفعاليات الجماعية يأتي من طريقة تقليدية لترتيب المدخرات الجماعية التي يقوم بها المصريون – وغيرهم على مستوى دول العالم النامي – على مدار سنوات متعددة. حفلات الأفراح في بعض الأحيان تكون حقيقية ومن يحضر يحضر ومعه المال لمساعدة الزوجين الصغيرين في البدء بحياتهم الجديدة.
في بعض الأحيان الأخرى، تكون الأفراح بمثابة حفلات بدون احتفال فعلي؛ تظهر فجأة كنوع من أنواع جمع التمويل. النوع الأكثر شيوعًا، عندما تقوم العائلة والأصدقاء بجمع الأموال بشكل جماعي بدون احتفال. تستمر الثلاثة أنماط للـ «أفراح» مزدهرة وفعالة!
«الأفراح المصرية» وعجز الموازنة
جلب هذه المعاملات المالية إلى القطاع الرسمي هو بمثابة تحدٍ كبير للرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث يطمح إلى توسيع رقعة الضرائب، وتقليل النفقات على واحدة من أكثر الميزانيات المتضخمة عجزًا، وإنعاش اقتصاد تداعى بسبب سنوات من الاضطرابات السياسية من بعد الإطاحة بحسني مبارك في 2011.
ليس أمرًا سهلًا.
“التعامل مع البنوك يتطلب الكثير من المتطلبات التي لا تتناسب مع طبيعة الاقتصاد المصري، الغالبية من الناس لديها دخل قليل جدًا بينما من يملكون أموالًا على مستوى جيد ليس لديهم توثيق لذلك”.* فايقة الرفاعي، نائب محافظ البنك المركزي المصري السابق.
يُعد “محمد” ضمن الفئة الثانية. عمله في تجارة الأثاث يسير في اتجاه جيد ولكنه يديره من داخل شقة وهو لا يحبذ دفع الضرائب. وقد فشلت محاولته الوحيدة للحصول على قرض من البنك، ذلك أن البنك قد طلب ضمانًا ولأن سعر الفائدة مُحرم. فقام باستغلال شبكته من العائلة والأصدقاء.
وعند دخول السرادق المُعد عن طريق شارع مغلق من أجل الفرح، تحية المدعوين كانت عن طريق ألعاب نارية تتم عن طريق المُشرف على الحفل. بعد أخذ عينة من الأطباق الشهية، يصعد أحدهم إلى المسرح ليُلقي مشاركته بالأموال “الكاش“. بعد إحصاء الأموال من قِبل صديقيين لمحمد كانا يُسجلانها في مفكرة.
وعند دخول السرادق المُعد عن طريق شارع مغلق من أجل الفرح، تحية المدعوين كانت عن طريق ألعاب نارية تتم عن طريق المُشرف على الحفل. بعد أخذ عينة من الأطباق الشهية، يصعد أحدهم إلى المسرح ليُلقي مشاركته بالأموال “الكاش“. بعد إحصاء الأموال من قِبل صديقيين لمحمد كانا يُسجلانها في مفكرة.
يقوم النظام على المعارف الشخصية والثقة. إذا لم يقم محمد لاحقًا برد المشاركات التي جاءت في فرحه، سمعته ستتضرَّر – إذا لم يكن أسوأ. “يمكن أن يتم قتلهم“، يقول محمد عن هؤلاء من لم يتمكنوا من الدفع!
قناة السويس
الأموال السائلة خارج النظام المصرفي تم إثباتها عندما قامت الحكومة ببيع 64 مليار جنيه في شهادات ودائع محلية لتمويل قناة السويس الموازية. 42% من الأموال المطلوبة كان قد تم جمعها من “تحت البلاطة“، على حد تصريح لمحافظ البنك المركزي المصري آنذاك هشام رامز.
وفقًا لفايقة الرفاعي؛ حفّز سعر الفائدة المرتفع – وهو 12% – الناس على بيع ممتلكاتهم وأصولهم الأخرى، ومع ذلك، لابد أن نسبة لا بأس بها جاءت من هؤلاء الذين لا يرون فائدة من وجود حساب بنكي بالأساس.
مصير معظم الأموال الإنفاق. يوجد 2.5 مليون بطاقة ائتمانية و7300 جهاز صراف آلي في مصر، وفقًا لبيانات البنك المركزي.
تُفضل البنوك المصرية إقراض الشركات الكبرى، وشريحة صغيرة أخرى من المجتمع. بعد انتفاضة 2011، بدأت الحكومة بالاقتراض بشكل موسع من البنوك المحلية وذلك لتغطية عجز الموازنة المتواصل. مما يعني أن نسبة القروض إلى الودائع في البنوك كلها سقطت من 50% في 2011 إلى 41% في 2014.
الأفراح الحقيقية
يغطي الاقتصاد غير الرسمي مساحات ضخمة من المجتمع. ويتضمن: الباعة الجائلين الذين يبيعون كل شيء بدايةً من بخاخ رذاذ الفلفل إلى غطاءات الفراش بالإضافة إلى عربات نقل الركاب في عشوائيات القاهرة. تمتد وصولًا للشركات المُدرجة في البورصة المصرية، وفقًا لعمرو عادلي، الباحث في مركز كارنيجي الشرق الأوسط.
في قطاع المعمار، على سبيل المثال، تقوم أكبر الشركات بعمل معظم أعمالها عن طريق التعامل من الباطن على أساس نقدي مع شركات صغيرة ومتوسطة، يقول عادلي. قدرّت دراسة لمنظمة العمل الدولية أن 90% من الشباب المصري العاملين يشتغلون في القطاع غير الرسمي.
في مثل هذه البيئة، تكون أحيانًا مخططات مثل فرح محمد هي الطريقة المُثلى ليس فقط للنجاة ولكن أيضًا للمُضي قدمًا. وحتى يتغير ذلك، يشكك الاقتصاديون في أن النمو الحقيقي سيكون في وضع حرج على الرغم من أن علاقات الجوار ستبقى قوية.
“البنوك ومثل هذه الأشياء ليست لنا؛ ما يُهم هو حب الناس. إذا عرفك ووثق بك الناس، يمكنك جمع كل المال الذي تريده.” يقول محمد.
قام محمد بعقد حفل زفافه الحقيقي بعد أيام في حضور أصدقائه وعائلته. العروس في هذا الوقت كانت حاضرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق